التهاب المسالك البولية عند الرجال: الأسباب، الأعراض، التشخيص والعلاج الشامل

يُعد التهاب المسالك البولية من أكثر الحالات الطبية شيوعًا في مجال طب الجهاز البولي، وعلى الرغم من أن النساء أكثر عرضة للإصابة به، فإن هذا لا يُنقص من أهمية التهاب المسالك البولية عند الرجال، خاصة مع تقدّم العمر أو وجود ظروف صحية مزمنة تؤثر على الجهاز البولي أو المناعة. يمثل هذا الالتهاب مصدر قلق صحي حقيقي نظرًا لاحتمالية تحوّله إلى حالة مزمنة أو معقدة في حال إهماله أو سوء التعامل معه طبيًا. يمرّ هذا النوع من الالتهاب بمراحل متعددة تتراوح بين الإصابة البسيطة وحتى التهاب الكلى أو البروستاتا، وقد يُحدث مضاعفات طويلة الأمد.

يتناول هذا المقال المتعمق جميع جوانب التهاب المسالك البولية عند الرجال، بدءًا من الفسيولوجيا المرضية، مرورًا بالعوامل المسببة، ثم الأعراض الإكلينيكية، وانتهاءً بوسائل التشخيص والعلاج والوقاية، مع تضمين جدول تفصيلي لأنواع الالتهابات وأعراضها المرتبطة.

البنية التشريحية للمسالك البولية لدى الذكور

تتكوّن المسالك البولية عند الرجل من الكليتين، والحالبين، والمثانة البولية، والإحليل. بالإضافة إلى ذلك، تُعد غدة البروستاتا جزءًا مهمًا من الجهاز التناسلي الذكري ولها تأثير مباشر على وظيفة الجهاز البولي. الكليتان تعملان على تصفية الدم من الفضلات وإنتاج البول، والذي يمر عبر الحالبين إلى المثانة حيث يتم تخزينه، ومن ثم يخرج عبر الإحليل.

الخصوصية التشريحية للرجل، مثل الطول النسبي للإحليل، توفر له حماية نسبية من الالتهابات مقارنة بالنساء، لكن هذه الحماية تُضعف تدريجيًا عند وجود عوامل مثل تضخم البروستاتا، أو استخدام القسطرة البولية، أو وجود أمراض مزمنة.

أنواع التهاب المسالك البولية عند الرجال

يمكن تصنيف التهابات المسالك البولية إلى عدة أنواع، وفقًا للجزء المصاب من الجهاز البولي:

أسباب التهاب المسالك البولية عند الرجال

تتعدد الأسباب المؤدية إلى التهاب المسالك البولية عند الرجال، ويُعد انتقال البكتيريا عبر الإحليل إلى المثانة السبب الأكثر شيوعًا، إلا أن هناك عدة عوامل أخرى ترفع من احتمالية الإصابة:

1. العدوى البكتيرية

تُعد البكتيريا مثل إيشيريشيا كولاي (E. coli) المسبب الأكثر شيوعًا، وهي تنتمي إلى الفلورا المعوية وتصل إلى المسالك البولية بسبب سوء النظافة أو العلاقات الجنسية.

2. تضخم البروستاتا الحميد

عند كبار السن، يُشكل تضخم البروستاتا ضغطًا على الإحليل ويُعيق تدفق البول بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى ركود البول وتهيئة بيئة مناسبة لنمو البكتيريا.

3. القسطرة البولية

الاستخدام المطوّل للقسطرة يزيد من خطر دخول البكتيريا إلى المثانة بشكل مباشر، وتُعد من العوامل الشائعة في المستشفيات.

4. الأمراض المزمنة

مرض السكري، نقص المناعة، والفشل الكلوي كلها أمراض تُضعف القدرة الدفاعية للمسالك البولية وتزيد من فرص الإصابة.

5. العلاقة الجنسية

يمكن لبعض الممارسات الجنسية أن تسهم في نقل الجراثيم من الشرج أو الجلد إلى الإحليل، خاصة في حالة عدم استخدام وسائل الحماية أو النظافة.

الأعراض والعلامات الإكلينيكية

تختلف أعراض التهاب المسالك البولية عند الرجال حسب الجزء المصاب من الجهاز البولي، لكنها تشترك في عدد من الأعراض العامة مثل:

• الإلحاح البولي المتكرر

• الإحساس بحرقة أثناء التبول

• خروج كميات بولية صغيرة في كل مرة

• تعكّر لون البول أو انبعاث رائحة كريهة منه

• وجود دم في البول (بيلة دموية)

• ألم في أسفل البطن أو الخاصرتين

• ارتفاع درجة الحرارة (في حالات الالتهاب الصاعد للكلى)

• إفرازات قيحية من الإحليل (خصوصًا في التهابات الإحليل)

في حالة التهاب البروستاتا، قد تظهر أعراض إضافية مثل:

• ألم في العجان (المنطقة بين كيس الصفن وفتحة الشرج)

• ألم أثناء القذف

• شعور عام بالإرهاق والتوعك

• احتباس بولي جزئي أو كامل في الحالات المتقدمة

تشخيص التهاب المسالك البولية عند الرجال

تشخيص هذا الالتهاب يستند إلى التاريخ الطبي للمريض والفحص السريري بالإضافة إلى الفحوصات المعملية والتصويرية، ومن أبرز وسائل التشخيص:

1. تحليل البول الكامل

يُظهر وجود خلايا دم بيضاء، خلايا دم حمراء، وبكتيريا. يُعد هذا التحليل الخطوة الأولى في تشخيص أي التهاب بولي.

2. زراعة البول

تُستخدم لتحديد نوع البكتيريا المسببة للعدوى واختبار حساسيتها للمضادات الحيوية، ما يساعد في اختيار العلاج المناسب.

3. تحليل الدم

يفيد في الحالات المعقدة التي يُشتبه فيها بانتشار العدوى إلى الدم، أو في حالات التهاب الكلى.

4. تصوير الجهاز البولي بالموجات فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية

تُستخدم لتحديد وجود انسداد، حصى، أو تغيرات تشريحية تسهم في تكرار الالتهابات.

5. تحليل إفرازات البروستاتا

في حال الاشتباه بالتهاب البروستاتا، يتم أخذ عينة من الإفرازات لفحصها ميكروسكوبيًا وزراعتها.

العلاج الطبي والتدابير الدوائية

يعتمد العلاج بشكل أساسي على شدة الالتهاب والمسبب البكتيري، وفي العموم يشمل:

1. المضادات الحيوية

يتم اختيارها وفقًا لنتائج زراعة البول أو بناءً على التقييم السريري. من المضادات الشائعة المستخدمة:

• سيبروفلوكساسين

• تريميثوبريم/سلفاميثوكسازول

• أموكسيسيلين مع حمض الكلافولانيك

• نيتروفورانتوين (في حالات الالتهاب غير المعقد)

2. مضادات الالتهاب اللاستيرويدية

للتقليل من الألم والحرقة المصاحبة للتبول، مثل الإيبوبروفين أو النابروكسين.

3. الراحة وشرب كميات وفيرة من الماء

يساعد تدفق البول المتكرر في طرد البكتيريا من المسالك البولية.

4. قسطرة بولية مؤقتة

في حالات احتباس البول، تُستخدم القسطرة مؤقتًا لتفريغ المثانة مع مراقبة حثيثة لتقليل العدوى.

المضاعفات المحتملة في حال إهمال العلاج

عدم علاج التهاب المسالك البولية عند الرجال بشكل مناسب قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• انتقال العدوى إلى الكلى مسببًا التهاب الحويضة والكلية

• انتان الدم (Sepsis) خاصة عند ضعف المناعة

• خراجات بولية داخل الكلى أو حول البروستاتا

• تكرار الالتهابات البولية المزمنة

• تندب نسيج المثانة أو الحالب

• اختلال وظيفة الكلية على المدى الطويل

الوقاية من التهاب المسالك البولية عند الرجال

الوقاية عامل مهم جدًا خصوصًا لدى الرجال المعرضين للإصابة المتكررة. تشمل الاستراتيجيات الوقائية:

• شرب كميات كافية من الماء يوميًا (2 إلى 3 لترات)

• التبول المنتظم وعدم تأخير الرغبة في التبول

• العناية بنظافة الأعضاء التناسلية

• تجنب استخدام الصابون أو المواد الكيميائية داخل الإحليل

• استعمال الواقي الذكري عند ممارسة العلاقة الجنسية

• التبول بعد الجماع لطرد الجراثيم المحتملة

• مراقبة وعلاج الحالات المزمنة مثل السكري وتضخم البروستاتا

• تقليل استعمال القسطرة البولية قدر الإمكان

المراجع العلمية

1. Flores-Mireles AL, Walker JN, Caparon M, Hultgren SJ. “Urinary tract infections: epidemiology, mechanisms of infection and treatment options.” Nature Reviews Microbiology. 2015;13(5):269–284. https://doi.org/10.1038/nrmicro3432

2. Hooton TM. “Clinical practice. Uncomplicated urinary tract infection.” N Engl J Med. 2012 Mar 15;366(11):1028-37. doi:10.1056/NEJMcp1104429